الناظور.. بحيرة تاريخية تختفي والسكان يطالبون بالتحقيق

هبة بريس – محمد زريوح

في جماعة إيكسان التابعة لإقليم الناظور، كان السكان معتادين على رؤية بحيرة طبيعية تُعرف محليا بـ بحيرة الكبريت. بحيرة ارتبطت لسنوات بالذاكرة الجماعية، كانت متنفسا بيئيا ومقصدا للزوار، فضلا عن رمز طبيعي يميز المنطقة. لكن، خلال الأشهر الأخيرة، حدث ما لم يكن متوقعا: اختفت البحيرة فجأة، تاركة وراءها أرضا جافة وصمتا ثقيلا. هذا الاختفاء غير المسبوق لم يمر مرور الكرام، إذ أثار نقاشا حاداً حول الأسباب الكامنة وراءه.

عودة المنجم.. صدفة أم علاقة مباشرة؟

اختفاء البحيرة تزامن مع حدث اقتصادي مهم بالمنطقة: إعادة تشغيل منجم وكسان من طرف شركة صينية بعد توقف دام عقودا. المنجم، الذي يعد واحدا من أبرز المواقع المعدنية بالجهة، أعيد فتحه وسط ترحيب اقتصادي وحذر بيئي. غير أن هذا التزامن جعل عددا من المتابعين يربطون بين استئناف الأنشطة المنجمية وجفاف البحيرة.
أحد السكان يعلق قائلا: “لم نرَ البحيرة تختفي بهذه السرعة من قبل… لا يمكن أن يكون الأمر مجرد صدفة.” بينما يرى آخرون أن غياب المعطيات العلمية الدقيقة يجعل من الصعب الجزم بأي علاقة سببية.

قلق بيئي وغياب للشفافية

الجمعيات البيئية بالناظور لم تتأخر في التعبير عن قلقها. فاعلة جمعوية أكدت: “الخطير ليس فقط اختفاء البحيرة، بل غياب الشفافية. لا توجد دراسات منشورة تشرح ما يحدث، ولا تواصل مع الساكنة.”
هذا الغياب للمعلومة الرسمية يغذي الشكوك، خاصة أن المنطقة سبق أن عانت من تلوث مرتبط بأنشطة معدنية في عقود سابقة. ويشير خبراء بيئيون إلى أن استغلال المناجم في مناطق حساسة قد يؤدي إلى استنزاف المياه الجوفية أو تلويث التربة، وهو ما يتطلب دراسات استباقية دقيقة لم يتم الإعلان عنها حتى الآن.

التنمية الاقتصادية بين الوعد والواقع

على الجانب الآخر، يرى عدد من شباب إيكسان أن إعادة تشغيل المنجم قد تكون فرصة لإنعاش الاقتصاد المحلي وخلق مناصب شغل في منطقة تعاني من البطالة. شاب عاطل يقول: “نحن بحاجة إلى العمل. إذا كان المنجم سيوفر فرصا حقيقية، فلماذا لا نمنحه فرصة؟” لكن السؤال الذي يطرح نفسه: بأي ثمن؟ هل يمكن أن تتحقق التنمية على حساب البيئة، أم أن المعادلة تتطلب حلولا وسطى تضمن الاستفادة الاقتصادية دون التضحية بالموروث الطبيعي؟

مطالب بالتحقيق والرقابة

مع تضارب المواقف، تعالت أصوات مدنية وحقوقية للمطالبة بفتح تحقيق علمي مستقل لتحديد الأسباب الدقيقة لاختفاء البحيرة. هذه الفعاليات شددت على ضرورة ربط أي استثمار بمعايير الاستدامة ومراقبة صارمة، خصوصاً في مجالات حساسة مثل استغلال المعادن. فالمشاريع الاقتصادية، مهما كانت أهميتها، لا يمكن أن تُبنى على حساب البيئة التي تمثل الضمانة الأساسية لاستمرار الحياة المحلية.

ذاكرة بيئية مهددة

بحيرة الكبريت لم تكن مجرد تجمع مائي؛ بل فضاء سياحياً وموروثا بيئياً ارتبط بأجيال من سكان إيكسان. اختفاؤها يطرح سؤالاً يتجاوز حدود المنطقة: كيف نتعامل مع مواردنا الطبيعية في ظل ضغوط الاستثمار الصناعي؟ وهل يمكن إيجاد صيغة تنموية متوازنة تراعي حاجيات الإنسان وتحافظ على الطبيعة في آن واحد؟
إلى أن تكشف التحقيقات الرسمية عن السبب الحقيقي، ستظل بحيرة الكبريت مثالاً صارخا على هشاشة العلاقة بين التنمية والبيئة، وصورة لمعادلة معقدة لم يجد المغرب – كما بلدان أخرى – حلاً نهائياً لها بعد.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى