سقوط ملتمس الرقابة يضع المعارضة بين وهم الوحدة وحقيقة التفكك

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

في مشهد يعكس هشاشة التنسيق داخل صفوف المعارضة ، أعلن الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، انسحابه من أي تنسيق يخص ملتمس الرقابة ضد الحكومة، في خطوة اعتبرها متابعون ضربة جديدة لوحدة العمل المعارض تحت قبة البرلمان.

يأتي هذا التطور بعد أيام فقط من تأجيل مناقشة الملتمس، رغم اكتمال التوقيعات الضرورية، وسط تضارب في الرؤى وخلافات علنية بين مكونات المعارضة حول الجهة التي ستتولى تلاوة النص خلال الجلسة العامة.

وقد تزامن هذا التأجيل مع زيارة قام بها رئيس مجلس النواب إلى موريتانيا، رفقة رؤساء الفرق البرلمانية، ما اعتُبر آنذاك “مهلةً تكتيكية” لتخفيف التوترات، لكنها لم تُفلح على ما يبدو في إذابة الجليد بين الحلفاء المفترضين.

– خلاف الإجرائية… أم معركة الزعامة؟

الاتحاد الاشتراكي، المبادر بالملتمس، تشبث بحقه في تلاوة النص، استنادًا إلى منطوق النظام الداخلي للمجلس، الذي يمنح هذه الأولوية للجهة التي أودعت الطلب، واعتبر الفريق الاتحادي أن احترام المساطر ليس مجرد شكليات، بل ضمان لجدية الفعل الرقابي ومصداقيته في مواجهة الحكومة.

لكن هذا الموقف لم يحظَ بإجماع داخل المعارضة، بل واجه معارضة مضادة من حزب العدالة والتنمية، الذي رأى في منسقه البرلماني، عبد الله بوانو، الشخصية الأنسب لتولي التلاوة، بالنظر إلى دوره في تنسيق العمل المشترك بين فرق المعارضة. وهو موقف فُسِّر سياسياً على أنه محاولة لإعادة تموقع الحزب كمحور قيادي داخل المشهد المعارض، في سياق يسعى فيه لإعادة ترميم صورته بعد مرحلة التراجع الانتخابي.

الحركة الشعبية، من جانبها، دخلت على خط الخلاف، حيث عبّر أمينها العام محمد أوزين عن رغبته في تلاوة الملتمس، ملوّحًا برمزيته السياسية كنائب لرئيس المجلس ووزير سابق.

أما فريق التقدم والاشتراكية، فهدد بالانسحاب من المبادرة برمتها، إن استمر الصراع على الشكل، محذرًا من أن إفراغ الملتمس من مضمونه سيُضعف الرسالة السياسية الموجهة للرأي العام.

– إخفاق جديد أم تكتيك مرحلي؟

الانسحاب المفاجئ للفريق الاشتراكي من تنسيق الملتمس يطرح سؤالًا جوهريًا: هل نحن أمام إخفاق جديد للمعارضة، يكشف تشرذمها وغياب انسجام استراتيجي بين مكوناتها، أم أن الأمر لا يعدو كونه تكتيكًا مرحليًا لتحريك المياه الراكدة؟

مواقف الفرق البرلمانية تعكس تباينًا عميقًا في الرؤية والمقاربة، بل وتنافسًا على من يقود لحظة المواجهة مع الحكومة. وهي لحظة كان يفترض أن تكون موحدة الرسالة، قوية الرمزية، في ظل أزمة ثقة تتسع بين الحكومة والرأي العام.

غير أن الغرق في التفاصيل الإجرائية، والسجال حول الأسبقية الرمزية، حوّل ملتمس الرقابة إلى ساحة نزاع داخلي بدل أن يكون أداة ضغط سياسي موحد.

– معارضة بلا بوصلة؟

المفارقة الكبرى أن هذا الصراع لا يأتي نتيجة اختلاف حول مضمون الملتمس أو أولوياته السياسية، بل حول من سيتحدث باسمه، ما يعكس خللًا بنيويًا في ثقافة العمل الجماعي لدى المعارضة. وإذا كانت هذه الأخيرة قد فشلت في الاتفاق على مجرد تلاوة نص، فكيف يمكن أن تُقنع الشارع بقدرتها على تقديم بدائل سياسية متماسكة؟

في المقابل، هناك من يرى أن هذه التصدعات قد تكون مقدمة لإعادة ترتيب البيت الداخلي للمعارضة، من خلال فرزٍ موضوعي بين القوى الراغبة في معارضة حقيقية وتلك التي تتعامل مع الاستحقاقات السياسية بمنطق المواقع والأدوار.

في كلتا الحالتين، يظل ملتمس الرقابة مرآةً عاكسة لوضعية سياسية معقدة، ليس فقط داخل صفوف المعارضة، بل أيضًا في المشهد البرلماني ككل، حيث تتقاطع الحسابات الحزبية مع الرهانات المؤسساتية في مشهد لا تنقصه المفارقات.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى