حزب الاستقلال وإزدواجية الخطاب.. الدفاع على المواطن ومحاباة التحالف

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

يعيش حزب الاستقلال، أحد أقدم الأحزاب السياسية في المغرب، حالة من التذبذب بين موقعه كفاعل حكومي ملتزم ببرنامج الأغلبية، ودوره التاريخي كصوت للمواطن ومعبّر عن همومه الاجتماعية، هذا التردد بات يثير الكثير من علامات الاستفهام، خاصة بعد التصريحات الأخيرة للأمين العام للحزب ووزير التجهيز والماء، نزار بركة، التي اتسمت بنبرة نقدية غير مألوفة اتجاه الأداء الحكومي، خلال استضافته في برنامج حواري .

اللافت في هذا الظهور الإعلامي ليس مجرد الانتقاد، بل التوقيت والمضمون، فبينما يُفترض أن تشكل مكونات الأغلبية جبهة سياسية منسجمة، جاءت ملاحظات بركة حول ارتفاع الأسعار، وتفاقم البطالة، وتدهور المؤشرات الاجتماعية، لتكشف عن تصدعات داخلية، أو على الأقل عن محاولة حزب الاستقلال التمايز عن شركائه الحكوميين في أفق الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

– صراع الأدوار: بين المسؤولية والتمايز السياسي

عدد من المتابعين والخبراء في تحليل المشهد الحزبي والسياسي المغربي يرون أن ما قام به الأمين العام لحزب الميزان لا يخرج عن سياق التحضير للانتخابات القادمة، أكثر من كونه تعبيرًا حقيقيًا عن نقد ذاتي مسؤول، فالحزب، وهو جزء من الحكومة، لا يمكنه التنصل من تبعات القرارات التي تم اتخاذها، أو الادعاء بأنه يقف في صف المواطن دون أن يتحمل نصيبه من المسؤولية.

هذا “الازدواج في الخطاب”كما يسميه بعض المحللين، يعكس واقعًا سياسيا مأزوما، تحاول فيه الأحزاب الكبرى المحافظة على موقعها داخل السلطة، وفي الآن ذاته، التموقع شعبويًا خارجها، بحثًا عن رصيد انتخابي إضافي.

– المسألة الاجتماعية…ورقة انتخابية أم التزام فعلي؟

التناقض يزداد وضوحًا عندما يتعلق الأمر بالقضايا الاجتماعية، ففي الوقت الذي يواجه فيه المواطن المغربي تحديات يومية مرتبطة بارتفاع كلفة المعيشة وتدهور القدرة الشرائية، يفضل حزب الاستقلال، في كثير من الأحيان، التزام الصمت أو إصدار مواقف باهتة، لا ترقى إلى مستوى التأثير الفعلي داخل الحكومة، وعندما يختار الحديث، كما فعل نزار بركة مؤخرًا، فإن ذلك يأتي في سياق إعلامي مدروس، يغلب عليه الطابع الدعائي أكثر من كونه دعوة صريحة إلى المراجعة أو التصحيح.

– تدبير ملف الماء…نموذج للتباين بين التصريحات والواقع

في نفس الحوار، تحدث نزار بركة عن تقليص مدة إنجاز السدود، معتبرًا ذلك إنجازًا مهمًا في ظل تحديات ندرة المياه، غير أن هذا الطرح لقي انتقادات من خبراء في مجال الموارد المائية، من بينهم الخبير محمد بازة، الذي أشار إلى أن تسريع وتيرة بناء السدود قد يحمل كلفة مالية مرتفعة دون أن يحقق بالضرورة نتائج فعالة، مستشهدا بحالات مثل سدّي تيداس وولجة السلطان، اللذين لم يستوعبا سوى نسب ضئيلة من المياه منذ إنجازهما.

هذا التناقض بين الطرح السياسي والتقييم التقني، يعكس من جديد غياب مقاربة واقعية داخل الحزب، ويفتح باب التساؤل حول مدى انسجام مواقف قيادته مع تحديات المرحلة.

– في انتظار الحسم….بين الطموح الانتخابي والمساءلة الشعبية

من الواضح أن حزب الاستقلال يطمح للعودة بقوة إلى الواجهة السياسية، وربما التربع على رأس الحكومة مستقبلاً، كما تشير بعض تحركاته وخطاباته الأخيرة، غير أن هذا الطموح، إن لم يقترن بوضوح في المواقف وجرأة في تحمل المسؤولية، قد يتحول إلى سلاح ضده، فالمواطن المغربي لم يعد يقنعه الخطاب المزدوج، ولا التحركات التي تفتقد للانسجام بين القول والفعل.

إن العودة إلى ثقة المواطنين تتطلب أكثر من مجرد نبرة نقدية عابرة، بل تحتاج إلى وضوح في الرؤية، وشجاعة في الاعتراف، وجرأة في التغيير. وإلا، فإن حزب الاستقلال سيجد نفسه عالقًا بين خطاب المعارضة وسلوك السلطة، دون أن ينجح في كسب رهان أي منهما.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى