تراجع الاستقلال بالصحراء وسط هيمنة العائلة وتآكل الثقة الشعبية

هبة بريس – سياسة

تشهد الأقاليم الجنوبية للمملكة، وعلى رأسها مدينة العيون، تحولات دقيقة في الخريطة الحزبية مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية القادمة، وبينما ظل حزب الاستقلال لعقود يسيطر على المجال السياسي والاجتماعي في هذه الربوع، بدأت مؤشرات تغيير تلوح في الأفق، لصالح التجمع الوطني للأحرار، الذي وظّف موقعه في رئاسة الحكومة والإنجازات التنموية الكبرى لكسب موقع قدم جديد في الصحراء.

– صعود الأحرار: حضور حكومي مدروس وتكتيك اجتماعي فعال

استفاد حزب الأحرار من عدة عوامل أساسية لتعزيز حضوره في الأقاليم الجنوبية، يمكن تلخيصها في ثلاث نقاط رئيسية:
رأسمال حكومي قوي: بصفته قائدًا للائتلاف الحكومي، استخدم حزب الأحرار آلية “مسار الإنجازات” كوسيلة فعالة لإبراز بصمته في مشاريع البنية التحتية، الطاقة المتجددة، التعليم العالي، والصناعة، لا سيما مشروع الهيدروجين الأخضر بالعيون، ما جعل الخطاب الحكومي يتقاطع مباشرة مع انتظارات الساكنة.

استقطاب النخب والكفاءات: استطاع الحزب أن يضم في صفوفه نخبة جديدة من أبناء الصحراء، من أطر اقتصادية ومثقفين، إلى نساء فاعلات في المجتمع المدني، وهو ما أعطى الحزب صورة حديثة ومنفتحة، خلافاً للخطابات التقليدية لبعض الأحزاب الكلاسيكية.

خطاب سياسي واقعي وغير تصادمي:

بدلاً من تحدي نفوذ الاستقلال مباشرة، اعتمد الأحرار على سياسة التواصل الإيجابي، مؤكدين أنهم “شركاء في البناء”، لكن دون أن يخفوا طموحاتهم في إعادة رسم الخارطة الحزبية في الصحراء.

-تراجع الاستقلال: هيمنة العائلة وتآكل الثقة الشعبية

في المقابل، بدأ حزب الاستقلال يعاني داخليًا من إرهاق سياسي وتنظيمي. فعلى الرغم من حضوره القوي تاريخيًا، لا سيما من خلال شخصية حمدي ولد الرشيد، فإن الحزب يواجه تحديات جدية منها على التوالي احتكار القرار من طرف عائلة واحدة حيت بات يُنظر إلى الحزب، خصوصًا في العيون، كمجال خاص لعائلة ولد الرشيد، ما أضعف التعددية الداخلية وخلق فجوة متزايدة بين القواعد الشعبية وقيادة الحزب. هذه السيطرة العائلية، التي كانت سابقًا مصدر قوة، تحولت اليوم إلى عامل نفور وسط جيل جديد يبحث عن تمثيلية أكثر عدالة ومصداقية.

هناك كذلك ضعف في استقطاب كفاءات جديدة، حيت بخلاف حزب الأحرار، لم يظهر حزب الاستقلال دينامية تُذكر في تجديد نخبه المحلية أو فتح المجال أمام الكفاءات الصحراوية المستقلة، هذا النقص في التنويع خلق شعورًا بأن الحزب غير قادر على مواكبة التحولات المجتمعية والثقافية في الجنوب.

خطاب تقليدي وجامد: ظل الخطاب الاستقلالي يكرر نفس الرواية عن “الدور التاريخي” دون تطوير رؤية سياسية جديدة تلائم الجيل الجديد من الصحراويين، الذين باتوا أكثر اهتمامًا بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية من الولاءات الحزبية.

– تحالف لا يخفي تنافسًا: من التعايش إلى الصراع الهادئ

رغم الانضواء تحت لواء نفس التحالف الحكومي، فإن ما يجري في الجنوب يُظهر تنافسًا صامتًا لكنه حاد بين الحزبين، فالأحرار يسعون لتوسيع حضورهم اعتمادًا على مشروع وطني واضح، بينما يبدو الاستقلال أسير حسابات محلية ضيقة تحكمها التوازنات العائلية أكثر من المنطق الحزبي الحديث.

وفي الوقت الذي يتقدم فيه الأحرار بنهج سياسي يدمج بين الإنجاز والتواصل، يواجه الاستقلال معركة مزدوجة تتمثل في محاولة الحفاظ على ولاء قواعده التاريخية، ومحاولة استعادة جاذبيته بين فئات شابة ونخبوية بدأت تتجه نحو خيارات سياسية جديدة.

– من يقود المرحلة المقبلة في الجنوب؟

يبدو أن المعركة الانتخابية المقبلة في الأقاليم الجنوبية ستكون عنوانًا لصراع الأجيال والنماذج السياسية، فبين حزب الأحرار الذي يقدم نفسه كـ”قوة تجديد” قادرة على تمثيل الجنوب بعقلية مؤسساتية حديثة، وحزب الاستقلال الذي لا يزال يعتمد على معادلات تقليدية وتحالفات عائلية، تلوح مؤشرات تحوّل تدريجي قد تزيح الهيمنة التاريخية للاستقلال.

في النهاية، لن يكون النجاح في الجنوب مرهونًا فقط بالولاء التاريخي، بل بقدرة الأحزاب على قراءة الواقع المتغير، والانفتاح على جيل جديد من الصحراويين يتطلعون لمستقبل يوازن بين الهوية والكرامة، وبين التنمية والعدالة السياسية.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى