بنكيران وإيران.. ازدواجية المواقف وتناقضات الخطاب السياسي لحزب المصباح

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

في خطوة أثارت الكثير من الجدل في الأوساط السياسية والإعلامية، عبّرت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، بقيادة عبد الإله بنكيران، عن “تضامنها” مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مواجهة ما وصفته بـ”العدوان الإسرائيلي” على أراضيها، وذلك في بيان رسمي صدر مؤخراً.

موقف الحزب الذي لطالما أعلن دعمه للقضية الفلسطينية، جاء هذه المرة محاطاً بتساؤلات كبيرة حول الخلفيات، التوقيت، ومصداقية الخطاب السياسي لدى قيادة “المصباح”، وعلى رأسها الأمين العام عبد الإله بنكيران.

– صمت مريب في محطات حاسمة

ما يثير الانتباه أن هذا التضامن المعلن مع إيران يأتي في وقت تغيب فيه مواقف مماثلة من الحزب أو زعيمه بنكيران إزاء تصرفات عدائية واضحة اتخذتها طهران تجاه المغرب، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عبر أذرعها في المنطقة.

ولعل من أبرز تلك المحطات، ما كشفته تقارير استخباراتية موثوقة حول تورط إيران في تزويد ميليشيات البوليساريو بشحنات من الأسلحة عبر الأراضي الجزائرية، في تهديد مباشر للأمن القومي المغربي، خاصة في المنطقة الجنوبية، الغريب أن هذه الخطوة الخطيرة لم تُقابل بأي موقف أو تنديد من عبد الإله بنكيران أو حزبه، ما يطرح تساؤلات مشروعة حول معاييرهم في تصنيف “العدوان” و”السيادة”.

– ازدواجية المواقف تجاه التطبيع

مفارقة أخرى تبرز بحدة في هذا السياق، وهي أن الحزب نفسه، الذي يخرج اليوم متضامناً مع إيران ويهاجم إسرائيل، هو ذاته الذي قاد الحكومة المغربية خلال التوقيع على “اتفاق أبراهام” في عهد رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني، دون أن يسجل آنذاك أي اعتراض صريح أو موقف نقدي من عبد الإله بنكيران، الذي كان في موقع المراقب الحزبي الفاعل، بل اكتفى بالصمت، رغم أن الاتفاق كان نقطة تحول استراتيجية في السياسة الخارجية المغربية.

هذا الصمت المزدوج يشكل تناقضاً صارخاً في الخطاب السياسي لبنكيران، الذي لطالما حاول أن يلبس عباءة المدافع عن القيم الإسلامية و”الثوابت الوطنية”، لكنه غالباً ما يُظهر براغماتية زائدة حينما يتعلق الأمر بحسابات سياسية داخلية أو تحالفات خارجية مبنية على “الهوى الإيديولوجي” أكثر من المصلحة الوطنية.

– الغياب في قضية هنية

قضية أخرى تفضح الازدواجية ذاتها، وهي اغتيال قياديين من حركة حماس (منهم مسؤولون مقربون من إسماعيل هنية) على الأراضي الإيرانية، حيث غاب أي رد فعل من بنكيران، المعروف بعلاقته الطيبة مع حركة حماس واستقباله المتكرر لقياداتها، كان من المفترض، بناءً على سوابق مواقفه، أن يكون له موقف واضح، سواء في إدانة العملية أو على الأقل التعليق عليها، لكن الصمت كان العنوان مجدداً، مما يعمّق حالة التناقض في خطابه واصطفافه.

– بين “الأخوة” مع اليهود وافتتاح المعابد

من المفارقات التي يصعب فهمها أيضاً، أن عبد الإله بنكيران الذي لا يترك فرصة دون التعبير عن تضامنه مع قضايا الأمة الإسلامية، هو ذاته الذي أشاد في أكثر من مناسبة بالجالية اليهودية في المغرب، بل وافتتح معابد يهودية خلال ولايته الأولى كرئيس للحكومة، وصرّح علناً أن اليهود “إخوتنا في الوطن”، ورغم أن هذا في حد ذاته لا يُعدّ تناقضاً، إلا أن استخدامه الانتقائي لهذه التصريحات والمواقف يعكس ازدواجية مزعجة في الخطاب، حينما يُظهر مواقف “متقدمة” في الداخل ويستثمر في خطاب “الممانعة” حينما يتعلق الأمر بالخارج، وخاصة إيران.

– أزمة مصداقية قبل أن تكون أزمة موقف

ما يفتقده بنكيران اليوم ليس فقط التوازن في المواقف، بل المصداقية السياسية، فالمواقف الانتقائية التي يتبناها الحزب تحت قيادته، والتي تتبدل بحسب الظرف السياسي والوجهة الإيديولوجية، تجعل منه لاعباً غير موثوق في ملفات تتعلق بالأمن القومي المغربي والمصالح العليا للبلاد.

فالتضامن مع إيران ليس مجرد تعبير عاطفي، بل موقف سياسي يستوجب المحاسبة والتدقيق، خصوصاً حينما يصدر عن حزب يقود جزءاً من الرأي العام.

باختصار، عبد الإله بنكيران لم يعد يمثل فقط صوتاً سياسياً داخل المشهد، بل بات رمزاً لتناقضات السياسة الحزبية في المغرب، حيث المواقف تتبدل بتبدل المواقع، والولاءات تُوزع وفق خرائط لا تعترف بثوابت الوطن، بل بمصالح الجماعة.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى