أكادير: ” السربيس ” على خبز الأفران.. هل تخلت الأسر السوسية عن تقاليدها؟”

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

تشهد جل المخابز بمدينة أكادير، يوميًا، وخصوصًا خلال فترات الصباح والظهيرة والمساء، مشاهد ازدحام لافتة، يصطف فيها المواطنون رجالًا ونساءً، شبابًا وكبارًا، في طوابير طويلة من أجل اقتناء “الخبز”، مشهد بات يتكرر بشكل يومي، ويطرح أكثر من علامة استفهام حول التغيّرات التي طرأت على سلوك الأسر السوسية ، ومدى تمسكها بعاداتها الغذائية القديمة، وفي مقدمتها إعداد “الخبز المنزلي”.

في زمن غير بعيد، كانت رائحة الخبز المنزلي الساخن تعبق أزقة الأحياء، وتُعدّ رمزًا من رموز دفء البيوت المغربية لكن، وبحسب ما يعاينه المواطنون اليوم، يبدو أن هذه العادة في طريقها إلى الاندثار، فهل فرضت الظروف الاقتصادية والاجتماعية هذا التغيير؟ أم أن نمط الحياة الجديد أزاح هذه الطقوس إلى الهامش؟.

– من مشهد معتاد إلى ظاهرة ملفتة”أصبحت لا أجد الوقت لتحضير
العجين كل يوم كما كانت تفعل والدتي”، تقول السيدة فاطمة.ر، ربة بيت تقطن بحي الداخلة، مضيفة: “العمل، والالتزامات اليومية، ومتطلبات الأبناء، كلها عوامل تدفعني للاعتماد على مخبز الحي، رغم أنني أملك عجانة وفرنًا عصريًا في البيت”.

أكادير: " السربيس " على خبز الأفران.. هل تخلت الأسر السوسية عن تقاليدها؟"

أما الحاج مصطفى.ب، وهو متقاعد في عقده السابع، فيُرجع الأمر إلى ما أسماه “تبدّل الأجيال”: “زماننا كان فيه الصبر والحرص على إعداد الطعام في البيت، خاصة الخبز، الذي كان رمزًا للبركة. اليوم أصبح كل شيء جاهزًا، حتى الخبز، يُشترى من المخبز بلا عناء”.

– المرأة بين العمل وضيق الوقت

يشير عدد من المراقبين الاجتماعيين إلى أن أحد الأسباب الرئيسية وراء تراجع إعداد الخبز المنزلي هو التغير في دور المرأة داخل الأسرة، فقد أصبحت نسبة كبيرة من النساء يشاركن في سوق الشغل، ما قلّص من الوقت المتاح للأعمال المنزلية، وتقول الأستاذة هند.ل، وهي موظفة بإحدى الإدارات العمومية: “بعد يوم عمل شاق، من الطبيعي أن أبحث عن وسائل تُوفر لي الجهد والوقت، خاصة في ما يتعلق بتحضير الخبز”.

لكن هذا التفسير لا يُقنع الجميع. فهناك من يرى أن الأمر يتجاوز مجرد ضيق الوقت، ليصل إلى تغير في الذوق العام، و”كسل جماعي” تجاه بعض التقاليد. تقول السيدة خديجة.ك، وهي ربة بيت في الستينات من عمرها: “عندنا في الدار كل شيء: الطحين، الفرن، العجانة… لكن الكسل هو السبب. الجيل الحالي لا يحب أن يتعب، ويعتبر كل ما هو جاهز أفضل”.

أكادير: " السربيس " على خبز الأفران.. هل تخلت الأسر السوسية عن تقاليدها؟"

– مفارقة لافتة: الأدوات متوفرة والعادة تنقرض

المفارقة الغريبة، كما يلاحظ كثيرون، تكمن في أن أغلب البيوت المغربية اليوم باتت تتوفر على أحدث معدات الطبخ، بما في ذلك آلات العجن وأفرنة كهربائية متطورة، كما أن الأسواق لا تزال تبيع القمح والشعير لمن أراد إعداد خبزه على الطريقة التقليدية، لكن الإقبال على هذا الأمر في تراجع مستمر.

يرى الباحث الاجتماعي د. عبد الحق م. أن “ما نشهده اليوم هو تحول ثقافي أكثر منه ظرفي ، فالأسرة المغربية، رغم توفرها على الوسائل، بدأت تتبنى نمط حياة استهلاكي، يفضل السرعة والراحة، على حساب التقاليد والموروثات”.

– الخبز المنزلي.. هل يفقد رمزيته؟

في ظل هذا التحول، يطرح سؤال جوهري: هل سيفقد الخبز المنزلي رمزيته داخل المطبخ المغربي؟ أم أن هذه الطقوس ستعود بقوة يومًا ما، كرد فعل على موجة الحداثة الغذائية؟
تقول السيدة نعيمة.س، وهي من سكان حي تيكيوين: “في كل مرة أحضّر فيها الخبز في البيت، أشعر أنني أسترجع جزءًا من طفولتي وذكرياتي، لا شيء يُقارن برائحة الخبز المنزلي وهي تنتشر في أرجاء المنزل”.

وربما في هذا الحنين تكمن الإجابة،فرغم موجة التغيير، لا تزال جذور الطقوس المغربية حية في الذاكرة الجمعية، تنتظر فقط من يحييها من جديد.

فبين مشهد الازدحام اليومي أمام المخابز، وذكريات الطفولة في ” خبز الأمهات “التي تنور البيوت، تقف الأسر المغربية على مفترق طرق بين الحداثة والتقليد، فهل تستسلم للخبز الجاهز، أم تسترجع طقسًا عائليًا دافئًا كان يُغذي أكثر من البطون: كان يُغذي الأرواح.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى